السفير 14-1-2009


 

جريمة الصهاينة والنخبة »في الخارج«.. وموقف اليسار

 

تاكيس فوتوفولوس

 

في جريمتهم الوحشية الأحدث، في فلسطين، وحمام الدم الذي أطلقوا لجامه ضد شعب أعزل، سبق أن خنقوه اقتصادياً، ربما، تجاوز الصهاينة الإسرائيليون أنفسهم، على مدى تاريخهم الإجرامي الطويل.
هذه الجريمة لا تلقى فقط، تأييداً من كل الصهاينة حول العالم، والذين تمكنوا خلال ما يقارب ٦٠ عاماً، من فرض هيمنتهم على المجتمعات اليهودية، التي كانت قبل الحرب العالمية الثانية بعيدة عن تأييد المشروع الصهيوني، وكانت تضم العديد من المثقفين اليساريين اليهود المميزين، الذين هاجموا طبيعة المشروع الإجرامي، وإنما حظيت أيضاً بدعم مباشر أو غير مباشر من النخبة، القابعة خارج »حدودهم« القومية، والمتساوية معهم في الإجرام (مثل النخب الأميركية والأوروبية)، وكذلك من الأنظمة العربية المستبدة (كمصر والسعودية والأردن..).
ورغم هذا التأييد الهائل، أدت فداحة الجريمة إلى انبثاق صحوة جديدة لدى ضمائر الشعوب، تم التعبير عنها عبر بزوغ حركة مقاومة متنامية، رغم عملية غسيل الأدمغة والتضليل الممارس عبر وسائل الإعلام العالمية، التي تديرها تلك النخب.
هذه المقاومة غير مستغربة بالطبع، لا بل تعد محتومة مع إدراك الشعوب بأن العنف الشامل الممارس ضد الفلسطينيين ليس سوى جزء من العنف الشامل الذي تمارسه النخب، بالتعاون مع النخب المحلية عبر العالم، تحت شعار »الديموقراطية« الزائف، التي لا تمت إلى الديموقراطية الحقيقية بصلة.
هذا العنف الشامل هو ذاته العنف الجسدي الذي قتل وشوّه بالأمس، المئات في يوغسلافيا وأفغانستان والعراق، بهدف سحق أي مقاومة للنظام العالمي الجديد، حسبما رسمته النخبة »خارج الحدود«، على مدى السنوات العشرين الماضية. وهو ذاته العنف الاقتصادي الذي حكم على الملايين والملايين بالبطالة والفقر والبؤس، كل ذلك من أجل أن تتمكن الطبقة الاجتماعية المترفة من زيادة أموالها المكدسة، ومواصلة نمط حياتها الذي أودى بالكوكب إلى هلاك بيئي. وهذا العنف هو ذاته، الذي سيمارس غداً، ربما على نحو اقتصادي وجسدي في آن، في بلدان النخب »خارج الحدود«، ذاتها، وفي البلدان التابعة لها، وما التظاهرات الأخيرة في اليونان سوى نذير لذلك.
»
جريمة« أهل غزة
»
جريمة« أهل غزة، الذين يذبحون اليوم، هي أنهم اقترعوا بكل نزاهة، وفق كل الإجراءات »الديموقراطية« التي فرضتها النخبة خارج الحدود، لصالح نظام التزم بعدم الاعتراف بالنظام الصهيوني، الذي، على مدى السنوات الـ٦٠ الماضية، احتل بالقوة أو عبر التهديد باستخدام القوة (حسبما يقر المؤرخين اليهود) ليس فقط الأراضي التي مُنحت له من قبل الأمم المتحدة في العام ١٩٤٨ (من دون أن يكترث أحد بالطبع للسؤال عن رأي السكان الفلسطينيين الأصليين، الذين كانوا يشكلون الغالبية التي تعيش في تلك الأرض على مدى مئات السنوات!) ولكن أيضاً بقية فلسطين، جراء حملات الجيش الصهيوني، وأعني شرطة الغرب، التي مُنحت مليارات الدولارات من قبل الغرب، وما أصبح اليوم رابع أقوى جيش في العالم. والنتيجة: مليون ونصف مليون لاجئ حُشروا، في ظل أكثر الظروف ترويعاً، في قطاع غزة. لذا، بصرف النظر عن العامل الإسلامي في هذا النظام، يعد عدم الاعتراف بنظام استيطاني عنصري ومقاومة احتلاله العسكري بكل الوسائل الشعبية، مهمة جلية وضرورية، يعترف بها القانون الدولي. لا بل هناك تيارات تحريرية ترفض دعم العنف الشعبي المناهض للنظام، المبني على حركات دينية لاعقلانية؛ وهو موقف غير متصل بالأولوية المباشرة لإطاحة العنف النظامي في المقام الأول! ولذا كان لا بد من سحق اللاجئين في غزة، لأنهم لم يظهروا أي نية للخضوع للصهاينة والتنازل عن حقوقهم، كما فعلت الطبقة البورجوازية في الضفة الغربية، في دعمها لنظام عباس، تحت حماية الصهاينة والنخبة »خارج الحدود« والأنظمة العربية المستبدة. هذا النظام أظهر استعداده للقبول بأداء دور المحمية ضمن نوع من الدولة. ولقاء ضمانات من الصهاينة، على كل العالم الإسلامي الاعتراف بدولة صهيونية في فلسطين، (وهو ما تسميه النخبة خارج الحدود بحل الدولتين).
حملة »تغيير النظام« في غزة
وهكذا، ومباشرة بعد نصر حماس في غزة، بدأت النخبة خارج الحدود وأتباعها من العرب المستبدين حملة من أجل »تغيير النظام«، تماماً كما حصل، بنجاح، في يوغسلافيا والعراق. الهدف كان سحق معنويات أهل غزة، لدرجة تجعلهم، في الانتخابات اللاحقة، يقترعون لعباس، الرجل »المفضل« لدى الصهاينة والنخبة خارج الحدود وأتباعهم من الأنظمة العربية المستبدة. الحملة بدأت على شكل حرب اقتصادية مهلكة. ومن هنا، كان انسحاب القوات الصهيونية المحتلة المزعوم في ،٢٠٠٥ يعني فرض حصار عسكري على غزة، جواً وبراً وبحراً، وربما إنشاء أكبر غيتو في التاريخ، يتم إنجازه عبر التنفيذ الصادق لوسائل العقاب الجماعي الذي استخدمه النازيون. وتم إخفاء هذه الجريمة الفظيعة ضد الشعب الفلسطيني عبر »صناعة الهولكوست«. فلم يتورع الصهاينة ومن يؤيدهم في سائر أنحاء العالم مثلاً من اتهام يهودي، كانت عائلته ضحية مخيمات النازية، بأنه معادٍ للسامية، لمجرد أنه ندد بـ»الجريمة المرتكبة ضد الفلسطينيين«. وهي التهمة ذاتها التي وُجهت لأي معتدل يهودي أو مؤيد لليسار المتطرف، من الذين تجرأوا على شجب الجريمة المتمثلة بالصهيونية.
وفوراً بعد أحداث ١١ أيلول، لم تستح النخب الصهيونية التي تدير إرهاب الحكومة (بمساعدة مسبقة من الإعلام العالمي الذي تديره النخب، والذي لا يقدّم سوى الوجهة الصهيونية من »الحقيقة«) من الكذب، وصنّفت نظام حماس غير القابل للترويض على لائحة الأنظمة »الإرهابية المارقة«، التي تهدد وجود اليهود في فلسطين! تم حبك هذا الادعاء المضحك، مع معرفة تامة بأن كل الجيوش العربية، والنظام الإيراني معها، (بمعزل عن نظام حماس!) لن تتمكن من إزالة إسرائيل الصهيونية، نظراً لامتلاكها جيشا قوياً، على نحو هائل، يحظى بدعم أقوى الجيوش في تاريخ البشرية: الجيش الأميركي المجرم! وفي الوقت ذاته، كان الصهاينة يسوقون لخرافة انسحابهم من غزة، وهو »الانسحاب« الذي أدى إلى الكارثة الاقتصادية الحالية في غزة. ووفقاً لأحدث تقرير أصدرته اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ٧٠ في المئة من شعب غزة يعاني من سوء تغذية مزمنة، و٤٠ في المئة يعاني من فقر مدقع، مع مدخول يبلغ ٩٠ يورو شهرياً لكل عائلة تضم ٩ أفراد.
تنفيذ الحملة الصهيونية »لتغيير النظام«، وهي خطة تبناها مع سابق التصور مسؤولون حكوميون أمثال السفيرة لدى الأمم المتحدة غابريلا شاليف والتي قالت إن الهجوم الأخير على غزة »سيستمر طيلة الوقت اللازم لتفكيك حماس بالكامل«، يتم على قدم وساق، بالتزامن مع الجريمة الحالية، التي أُرفقت، مرة أخرى، بأكذوبة لتغطيتها. وفيما كان »التهديد المفترض« في العراق هو »أسلحة الدمار الشامل«، التي لم توجد قط، كان، في غزة، »الصواريخ« التي تطلقها حماس، والتي وصفتها الـ»بي بي سي« بأنها »ترسانة يدوية الصنع من صواريخ طائشة، اقرب إلى أنابيب مكدسة بالمتفجرات ذات فتيل معدني في آخرها«.
لا عجب أن هذا النوع من »الحروب«، كما يعرّفها الصهاينة ووسائل الإعلام العالمية، أسفر عن مقتل أربعة إسرائيليين مقابل أكثر من ٤٠٠ فلسطيني قتلوا في القصف الجوي. من الواضح أن الصهاينة تجاوزوا أساتذتهم النازيين في ما يتعلق بعمليات الثأر الجماعية بحق أولئك الذين يقاومون الاحتلال: كانت حياة كل ألماني واحد تقابلها حيوات ٥٠ مدنيا. أما حياة الإسرائيلي الواحد فتوازيها حيوات ١٠٠ من سكان غزة!
خلال السنوات الثماني الماضية أطلق الفلسطينيون، انطلاقاً من غزة، ٨٥٠٠ صاروخ على إسرائيل، أدت إلى مقتل ٢٠ مدنياً. في المقابل، قُتل خمسة آلاف فلسطيني، بطائرات »اباتشي« و»اف ١٦« الصهيونية (أي بمعدل ٣٥٧ فلسطينياً لكل إسرائيلي يقتل) ١٧٠٠ منهم قتلوا في هجمات عسكرية إسرائيلية، بعد انسحاب المستوطنين اليهود من غزة، قبل ثلاث سنوات.
حملة الإعلام الصهيونية المشوِّهة للحقائق والمليئة بالأكاذيب الخالصة
خلافاً للأكاذيب الصهيونية النظامية حول خرق حماس للهدنة، هناك في الواقع دليل قاطع على أن الحملة الإجرامية الحالية ليست سوى جريمة متعمدة خالصة، لا علاقة لها بما قامت أو تقوم به حماس عسكرياً خلال فترة الهدنة. في الآتي ما قاله محلل متخصص في الشؤون الفلسطينية، قبل أشهر في صحيفة »أوبزرفر«، نقلاً عن السفير الإسرائيلي السابق لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان: »قبل أشهر، وفيما كانت إسرائيل تستعد لإطلاق جولتها الأخيرة من التدمير، أدركت أنها ستحتاج إلى إطلاق حملة موازية لإقناع بقية العالم بعدالة قضيتها. فمنذ هزيمتها في حرب لبنان في ،٢٠٠٦ عملت حكومة تل أبيب على تمهيد الأرضية، في الداخل والخارج، لهجوم على غزة، على نحو هادئ ولكن حثيث، حاشدةً دعم الإدارات والدبلوماسيين، وخصوصاً في أوروبا وأجزاء من العالم العربي. وتم تأسيس وحدة إعلامية للتأثير على الإعلام. وما أن بدأ الهجوم على غزة، حتى تم إطلاق مجموعة من الدبلوماسيين ومجموعات الضغط والمدونين ومؤيدي إسرائيل لقصف الداخل والخارج برسائل محبوكة بعناية، ضمان إظهار إسرائيل كضحية، وإن كان قصفها قد قتل أكثر من ٤٣٠ فلسطينياً خلال أسبوع واحد، ثلثهم على الأقل من المدنيين أو الشرطة. في القدس ولندن وبروكسل ونيويورك، سُمعت الرسائل ذاتها: إسرائيل لم يكن لها من خيار سوى الهجوم، لأن حماس أمطرتها بالصواريخ، وأن الهجوم يستهدف »البنية التحتية للإرهاب« في غزة، وأن المستهدفين هم حماس. المدنيون قد يقتلون فقط لأن عناصر حماس يختبئون مع أسلحتهم بين المدنيين.. وبإستراتيجية مماثلة، تم إقصاء مسألة الاحتلال من النقاش. الإسرائيليون انسحبوا من غزة في ,.٢٠٠٥ كان بإمكان القطاع أن يزدهر لكن أهلها اختاروا النزاع«.
بموازاة هذه الإستراتيجية، المبنية على حقائق مزيفة، عزفت إسرائيل على تصوير حماس على أنها جزء من »شر إسلامي أصولي« مع إيران وحزب الله. في الواقع، لم تكن أعمال حماس سوى تعبير عن مقاومة شعبية ضد احتلال مستمر في الضفة وحصار على غزة وعمليات قتل إسرائيلية لم تتوقف. من هنا لم يكن مستغرباً أن تعلن تسيبي ليفني من باريس، تماماً بعد بدء الغزو البري، أن »لا خطر من وقوع كارثة إنسانية في غزة« لأن »إسرائيل جزء من العالم الحر وهي تقاتل التطرف، حماس لا تفعل ذلك«، فيما قال شمعون بيريز، »التقدمي« حسبما يُفتَرَض، في محاولة لإخفاء الجريمة، أن »حماس يجب أن تُلقن درساً.. وهي تتلقاه الآن«!
هذه الدعاية تبنتها وسائل الإعلام النخبوية، بما في ذلك المرموقة منها كالـ»بي بي سي«، التي انحازت لصالح الصهاينة. إسرائيل، ربما للمرة الأولى، حظرت دخول الصحافيين الأجانب خوفا من الاطلاع على نتائج إستراتيجيتها، التي وصفتها حتى المحاكم الإسرائيلية بأنها غير شرعية (!) من الواضح، لم تكن تريد للعالم أن يرى الذبح »الدفاعي« لشعب أعزل.. فقط »هلع« الإسرائيليين هو المهم. ومع ذلك فهي تملك الوقاحة للادعاء بأنها الواحة »الديموقراطية« في الشرق الأوسط.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي يخلط في تعريفه، (كما قال مسؤول أمني اسرائيلي لـ»بي بي سي«) بين »المقاتل« والفرد العادي على نحو »مبهم«، لم تخرج أي من المنظمات الحقوقية الدولية كـ»الهيومن رايتس واتش« و»امنستي« لمحاكمة »مجرمي الحرب الصهاينة كشارون وليفني وبيريز وايهود باراك وايهود اولمرت«، كما فعلت لمحاكمة ميلوسوفيتش وصدام حسين، لجرائمهم ضد الإنسانية.
موقف اليسار: على مسافة واحدة
بين المجرم والضحية
هذه الحقائق لم تمنع اليسار واليسار الوسط الأوروبي من إدانة العنف »من أي طرف كان«، مع إبقاء سياسة المسافة الواحدة بين الجاني والمجني عليه، ومساواة العنف الصهيوني الممنهج، بالمقاومة ضد الاحتلال. ولا عجب أن يدعو اليسار الأوروبي، حتى بعد بدء الجريمة الأخيرة، إلى تنفيذ حل الدولتين، الذي تدعمه النخب خارج الحدود والأنظمة العربية المستبدة وكذلك الصهاينة أنفسهم، ليصبح هناك دولة يهودية نقية، إلى جانب محمية فلسطينية تابعة!
على المقلب الآخر، تبنى »اليسار« الصهيوني (غروسمان وموز اوز..) موقفاً مماثلاً، وأنكروا حق الفلسطينيين في المقاومة، لأن »إرهابهم« قتل »الأبرياء« (الذين وافق غالبيتهم على الجرائم الصهيونية، كما تظهر استطلاعات الرأي).
الحل الحقيقي الوحيد:
دولة متعددة الثقافات في فلسطين
ما هدف حمام الدم الهائل، هذا؟ الجواب كما، وصّفه المحلل البريطاني جون ماكارثي، في اليوم الأول للغزو البري:
»
ثمة دلائل قليلة تشير إلى أن المؤسسة الإسرائيلية، الملتزمة تماماً بتحقيق الأهداف الصهيونية لإنشاء إسرائيل الكبرى، تخطط للتخلي عن مزيد من الأراضي: ٢٥٠ ألف إسرائيلي يعيشون في الضفة. ولكن على العكس، لم تتوقف أعمال الاستيطان. لطالما استندت السياسة الإسرائيلية إلى »الوقائع الميدانية«، مع إرجاء مسألة ترسيم الحدود، عملاً بقول الأب المؤسس ديفيد بن غوريون: »حيث نثلّم آخر حقولنا هو حيث نرسّم حدودنا«.. ورثة بن غوريون لا يزالون يثلمون! ومع التسليم بأن إقامة دولة فلسطينية، مهما كان شكلها، باتت أمراً ضرورياً لضمان أن تبقى إسرائيل يهودية صرفة، سيواصل الإسرائيليون إرجاء ترسيم الحدود، إلى أن تنتهي إسرائيل من اغتنام أكبر قدر من الأراضي، فيها أقل قدر من الفلسطينيين. وفيما تواصل إسرائيل صنع المزيد من »الحقائق على الأرض«، تبدو احتمالات إنشاء دولة للفلسطينيين على جزء صغير من أرض كانت يوماً وطنهم، أكثر بعداً.
ذلك يؤكد، مجدداً، النتيجة التي توصلتُ إليها بأنه كان بالإمكان تجنب الجريمة التاريخية المتمثلة في إنشاء »دولة يهودية«، وكان بالإمكان إنقاذ مئات الآلاف من الأرواح، لو سُمِعت إدانة مرموقين من اليهود اليساريين أمثال حنا اريندت واسحق دوتشر وغيرهم الذين طالبوا بإنشاء دولة كبيرة متعددة القوميات، تضم الفلسطينيين واللاجئين اليهود الذين طُردوا من أوروبا، تجنبا لحل دولتين، هي: »وحش« صهيوني و»محمية« فلسطينية.
من الواضح حالياً أن الهدف الصهيوني كان دوماً »تهويد فلسطين«، عبر إجبار الفلسطينيين على التخلي عن أرضهم تحت ضغط لا يحتمل، وهو »غاية عنصرية«، كما قال ابراهام بورغ، رغم انه كان رئيس منظمة الصهيونية العالمية، عندما أعلن رفضه لما ذكره العهد القديم بأن اليهود هم شعب الله المختار. وفي السياق ذاته، رفض شلومو ساند، من جامعة تل أبيب، مبدأ إنشاء دولة يهودية، وإنما دولة علمانية متعددة القوميات، وهذا موقف قريب من »الديموقراطية الشاملة«، ينصف القضية الفلسطينية.
وما يحصل اليوم يثبت أن تلك الدائرة المفرغة من سفك الدماء تتجاوز حل الدولتين الكارثية. ولهذا بات مطلب دولة متعددة القوميات، مطروحاً بشدة، ويلقى دعماً من الفلسطينيين التقدميين واليهود، الذين يرفضون الصهيونية واللاعقلانية الدينية. لهذا الحل دلائل تاريخية على أنه ممكن تماماً، فقد عاش الفلسطينيون واليهود بتناغم في حوض الشرق المتوسطي، عندما كان العالم العربي يزدهر، ولم تمنع اللاعقلانية الدينية ملايين اليهود والمسيحيين والمسلمين من العيش معاً في ظل الإمبراطورية العثمانية.
ومع ذلك، لا يبدو أن الصهاينة، ومعهم النخبة خارج الحدود، مستعدون لمناقشة هذا الحل، ولهذا فهم حاربوا أي حل يقوض دولتهم الصهيونية »النقية« (والتوسعية) بكل الوسائل المتاحة لديهم. ومع جريمتهم الحالية، قوّضوا أي احتمال لإقامة الدولتين، وجعلوا من حل الدولة المتعددة القوميات مستحيلا.. إفراطهم في الإجرام ولّد كراهية في قلوب الفلسطينيين والشعوب العربية.
جرائم الصهاينة لن تُغفر قط ولن تُنسى، أينما كان في العالم، ما لم يطلق اليهود في الداخل والخارج حملة ممنهجة لإزالة النظام المجرم وإيديولوجيته، واستبدالها بخطة لإقامة نظام متعدد القوميات، لكل شعوب فلسطين.
([)
كاتب يوناني
ترجمة جنان جمعاوي